مُلخَّص: العَقيدة الإسلاميَّـة وأثرها في الـنَّـجاة مِن الفِتَن المعاصرة
الكتاب
عنوانه: العَقيدة الإسلاميَّـة وأثرها في الـنَّـجاة مِن الفِتَن المعاصرة
مؤلفه: أ.د سليمان بن قاسم العيـد
عدد صفحاته: 134 صفحة
عدد صفحات التلخيص: 19 صفحة
تـوطِئة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في زَمنٍ تَلاطمت فيه أمواج الفِتن العاتِية، وعمَّ ماء الفَسادِ الشُطآن والأودية، واختلطت فيه المفاهيم أو خُلِّطت، فما عادَ الحلال بيِّـنًا عند كثير مِن النَّاس، وكذلك الحرام...
في مثل هذا الزَّمن تظهر الحاجة الماسَّة إلى عالِـم ربانيّ، وناصِح أمين، وكلمة صادِقة تأخذ بأيدنا نحو نور المعرفة والهداية والفلاح، فتُجلِّي لنا الحقائق، وتدلّنا على سبلها لنسلكها، وتُعرِّي لنا الباطل وتدلّنا على مساربه لنتَّـقيه.
وهذا ما حاولنا أن نقدِّمه في بحثنا هذا، الذي سيتناول:
1- بيان الفِتن المعاصرة وأخطارها.
2- بيان كيفية النَّجاة من هذه الفِتن بالعقيدة الإسلاميَّـة.
الفِـتـنـة
للفِتنة معانٍ مُتعدِّدة، فقد تأتي بمعنى:
· الابتلاء والامْتِـحانُ والاختبار، وأَصلها مأْخوذ من قولك: فتَنْت الفضَّة والذَّهب إِذا أَذبتهما بالنَّار لتميز الرَّديء من الـجيِّدِ.
· الإِحراق بالنار: ومن هذا قوله ـ عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13]
· الضَّلال والإِثم، وقـيل: هي في التأْويل الظُّلْم.
· إِعجابُك بالشَّيء، فَتَنَه يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُونا. وأُفْتن الرجل وفُتِن، فهو مَفْتُون إِذا أَصابته فِتْنة فذهب ماله أَو عقله.
· والفِتْنة: الكفر، والفِتْنة: المال، والفِتْنة: الأَوْلادُ.
والمعنى المُراد في الفِتنة في هذا البحث: هو ما يُبتلى به الإنسان في هذه الحياة مِن المال والنِّساء والمنصِب والجاه ونحو ذلك، مـمَّا يكون سببًا في بُعده عن الله والدَّار الآخرة.
خَطر الفِـتـنـة
كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعوَّذ مِن شرِّ الفِتن، ويحذِّر أمتَّه منها لخطرها العظيم على الإنسان في حياته وبعد مماته، فهي في الدُّنيا ضَلال وضَياع، وفي الآخرة حِساب وعِقاب، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: " إن الفِتن ستَـعمّكم فتعوَّذوا بالله مِن شرِّها" [السُّنن الواردة في الفِتن 1/299]
وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: استيقظ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة فزعًا، يقول : "سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات ـ يريد أزواجه لكي يصلين ـ ربَّ كاسِية في الدُّنيا عارية في الآخرة" [ السُّنن الواردة في الفِتن 1/281]
وقد كان السَّلف الصَّالح ـ رضوان الله عليهم ـ يخشون خطر الفِتنة أيضًا...
قال مطرف بن الشخير : سمعتُ أبا الدَّرداء ـ رضي الله عنه ـ يقول: "حبَّذا موتًا على الإسلام قبل الفِتن." [ابن حماد 1/159]
وقال الضحاك في قوله تعالى:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}[الأنفال:25] قال: تُصيب الصَّالح والظالم عامَّة.
وكان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ يقول: إن "الحجاج" عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتَّضرّع، فإن الله ـ تعالى ـ يقول:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76]
أمَّا "طلق بن حبيب" فقد كان يقول: اتَّـقوا الفِتنة بالتَّـقوى. فقيل له: أجمل لنا التَّقوى. فقال: التَّقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله." [رواه أحمد وابن أبي الدنيا]
ويقول "القنوجي" ناصِحًا: والإمساك في الفِتنة سنَّـة ماضيَة، واجب لزومها، فقدِّم نفسك دون دينك، ولا تعن على الفِتنة بيد ولا لسان، ولكن اُكفف يدكَ ولسانك وهواك، ومَن ولي الخلافة واجتمع عليه النَّاس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، وجَبَت طاعته، وحرمت مخالفته فيما ليس بمعصية لله ولرسوله ولخروج عليه وشق عصا المسلمين، وإن أمرك السُّلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتَّة، وليس لك أن تخرج عليه. [قطف الثَّمر 1/146]
السَّلامة مِن الفِـتـن
باتَ القلبُ في وَجَل، كيف السَّلامة مِن الفِتن؟!
لا سلامة مِنها إلا بما أرشدنا به نبيّ الأمَّة ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث أمرنا بِـ:
1- لزوم جماعة المسلمين وإمامتهم: والمقصود بها الجماعة المتمسِّكة بكتاب الله وسنَّة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم، فعن حذيفةَ بن اليمان قال: ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دُعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، مَن أطاعهم قحموه فيها. قال: قلتُ: يا رسول الله، فكيف النجاة منها؟ قال: « تَلزمُ جماعة المسلمين وإِمامَهم »، قلتُ: فإن لم يكن لهم إمامٌ ولا جماعةٌٌ؟ قال: « فاعتزلْ تلكَ الفرَقَ كلَّها، ولو أن تَعضَّ بأصلِ شجرة حتى يُدركَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك» [ابن حماد 1/ 143]
2- تَعلُّم العِلم، وتعليمه، والعمل به: فالعالِم بَصير، يتَّقي بعلمه الفِتن، وينصح الآخرين ويحذِّرهم مِن شرِّها؛ عن عبد الله بنِ مَسْعودٍ ـ رضي الله عنه ـ، عَن النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالَ: «تَعَلَّمُوا العِلْمَ وعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وتَعَلَّمُوا القُرْآنَ وعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وتَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ وعَلِّمُوها النَّاسَ، فإنِّي امْرؤٌ مَقْبُوضٌ، وإنْ العِلْمَ سَيُقْبَضُ وتَظْهَرُ الفِتَن حتى يختلف الاثنان في الفَريضة، فلا يجدان أحداً يفصل بينهما» [السنن الواردة في الفتن 3/585]
3- التَّمسك بهديِ مَن مات مِن السَّلف الصَّالح: لأن الحيّ لا يؤمن عليهِ الفِتنة.
4- طاعة السُّلطان وعدم الخروج عليه:فإنها مِن أهم أسباب السَّلامة مِن الفِتن، فطاعة السُّلطان واجبة، وقد حرِّمت مخالفته فيما ليس بمعصية لله ولرسوله، ولخروج عليه وشق عصا المسلمين، وإن أمَرَ السُّلطان بأمْرٍ هو لله مَعصية فليس لك أن تطيعه البتَّة، وليس لك أن تخرج عليه، فالخروج على السُّلطان يعني فوضى تعم البلاد والعباد، فتنتهك الحرمات، وتُسفك الدِّماء، وتضيع الحقوق والواجبات!
5- عدم المُشاركة في الفتنة إذا وقعت: قال "البَرْبَهَارِيُّ": فإذا وقعت الفِتنة فالزم جوف بيتك، وفر مِن جوار الفِتنة، وإيَّاك والعصبيَّة، وكلّ ما كان مِن قتال بين المسلمين على الدُّنيا فهو فِتنة، فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها ولا تهوى ولا تشايع ولا تمايل ولا تحب شيئا من أمورهم، فإنه يقال: مَن أحبَّ فعال قوم. [شرح السنة، البَرْبَهَارِيّ 1/47]
6- عدم بيع السِّلاح في الفتنة:لأنَّ السِّلاح أداة الحرب ومُذْكيها، ومهيِّج للفِتنة، وقد نهى النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بيع السِّلاح في الحروب.
7- التَّمسك بكتاب الله، وسنَّة نبيِّه ـ صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إني تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنَّتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض" [المستدرك على الصحيحين 1/172]
سائلين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ التَّوفيق والسَّـداد.